الحوتادث- في مشهد يعكس عمق التحديات التي يواجهها قطاع التعليم في موريتانيا، جاء الاعتداء الأخير على أحد المعلمين بساحة الحرية في نواكشوط ليسلط الضوء مجددًا على واقع المدرس في البلد. المبادرة السريعة من قبل فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بتوجيه تعليمات صارمة لفتح تحقيق فوري في ملابسات هذه الحادثة، تعكس حرص القيادة على إحقاق الحق وصيانة كرامة المدرس الذي يمثل الركيزة الأساسية لأي نظام تعليمي.
أبعاد القضية والمسؤوليات
تشكيل لجنة تحقيق مشتركة تضم ممثلين عن وزارات الداخلية والتربية والأمن الوطني، إضافة إلى ممثلين عن النقابات، يعد خطوة أولى لإظهار جدية الدولة في التعاطي مع هذه القضية. غير أن التساؤلات الأهم تتجاوز حدود الحادثة إلى ما هو أعمق وأشمل، وهو وضعية المدرس الموريتاني. هذا المدرس الذي أصبح اليوم في مواجهة متزايدة مع تحديات معيشية ومهنية تجعله في حالة من عدم الاستقرار النفسي والاقتصادي.
واقع المدرس الموريتاني: بين التحديات والآمال
المدرس الموريتاني يعاني من ضعف الرواتب التي لا تتناسب مع متطلبات الحياة اليومية في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار وزيادة الأعباء المعيشية. هذا الواقع يحد من قدرته على أداء واجبه التربوي بكفاءة وطمأنينة، إذ يجد نفسه مشتتًا بين البحث عن مصادر دخل إضافية لضمان معيشة كريمة لأسرته، وبين التزامه برسالته التعليمية.
إلى جانب ذلك، يفتقر المدرسون إلى الحماية القانونية والمهنية التي تضمن لهم الأمان في بيئة عملهم. الاعتداء الأخير ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الأحداث التي كشفت عن هشاشة الوضع الأمني والاجتماعي للمدرسين، ما يستدعي وقفة جادة من القيادة ومن المجتمع ككل.
الدور المطلوب من القيادة
لا شك أن استجابة رئيس الجمهورية تعكس اهتمامًا واضحًا بتحسين وضعية التعليم، إلا أن هذه الجهود بحاجة إلى أن تُترجم إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع. ينبغي أن يتجاوز الحل حدود التحقيق في حادثة معينة إلى وضع خطة شاملة تعالج جذور الأزمة، من خلال:
1. زيادة الرواتب وتحسين الامتيازات المالية للمدرسين بما يضمن لهم مستوى معيشيًا كريمًا.
2. إصلاح النظام التعليمي بأبعاده الشاملة لضمان بيئة عمل آمنة ومستقرة.
3. تعزيز الحماية القانونية والمهنية للمدرسين، بما يشمل التصدي لأي محاولات للاعتداء عليهم أو تقويض مكانتهم.
4. الاستثمار في تكوين وتأهيل المعلمين لضمان جودة التعليم وتعزيز مكانة المدرسة الجمهورية.
التساؤلات المفتوحة
مع كل هذه المعطيات، يظل السؤال الذي يفرض نفسه: هل ستنجح مبادرة رئيس الجمهورية في إعادة الاعتبار للمدرس، الذي يعاني من ضعف الرواتب وتزايد الأعباء المعيشية؟ وهل ستفتح هذه الحادثة أعين القيادة العليا على الواقع المتردي الذي يعيشه المدرس، في ظل ارتفاع الأسعار وزيادة الضغوط التي تجعل من ممارسة مهنته رسالة محفوفة بالصعاب بدل أن تكون مصدر استقرار وطمأنينة؟