
نظم مجلس اللسان العربي في موريتانيا، يوم امس السبت بمقره في العاصمة نواكشوط، محاضرة علمية بعنوان: "موريتانيا في الأرشيف العثماني". وتأتي هذه الفعالية ضمن سلسلة المحاضرات والندوات التي يسعى المجلس من خلالها إلى تسليط الضوء على قضايا تاريخية وفكرية ترتبط بموريتانيا والعالم العربي والإسلامي.
افتتاح المحاضرة وأهميتها
افتتح الجلسة رئيس مجلس اللسان العربي، السيد الخليل النحوي، الذي أكد في كلمته على أهمية الموضوع، مشيرًا إلى أن العلاقة بين موريتانيا والخلافة العثمانية ليست مجرد علاقة تاريخية، بل هي علاقة متصلة بالهوية الثقافية واللغوية للأمة الموريتانية. كما أشار إلى دور اللغة العربية كوسيلة للتواصل بين مختلف مكونات الأمة الإسلامية وكعنصر محوري في توثيق العلاقات بين المجتمعات الإسلامية.
وقال النحوي إن الأرشيف العثماني يحتفظ بالكثير من الوثائق المهمة التي تبرز مدى انخراط موريتانيا في سياق الحضارة الإسلامية الشاملة، مشيرًا إلى أن فهم تلك الوثائق يعد وسيلة لإعادة قراءة تاريخ البلاد في ضوء المصادر الأولية.
عرض المحاضرة وتناول المحاضر
قدم المحاضرة السيد محمد المختار سيدي محمد الهادي، المندوب العام للوثائق الوطنية بموريتانيا، حيث استعرض الجهود التي تبذلها المندوبية العامة للوثائق الوطنية بالتعاون مع الإدارة العامة لأرشيف الدولة بالجمهورية التركية. وركز على ما أثمره هذا التعاون من اكتشاف وثائق تاريخية تعود إلى فترة الخلافة العثمانية، تحمل إشارات إلى مناطق غرب إفريقيا بشكل عام وموريتانيا بشكل خاص.
وأشار المحاضر إلى أن هذه الوثائق تضمنت معلومات عن التفاعلات التجارية والثقافية والسياسية بين الموريتانيين والعثمانيين، مما يبرز عمق العلاقة التاريخية بين الطرفين. كما أوضح أن الأرشيف العثماني يُعدّ أحد أهم المراجع التاريخية التي تسلط الضوء على طبيعة الإدارة والتنظيم في العالم الإسلامي خلال تلك الحقبة.
وتحدث المحاضر عن أهمية هذه الوثائق في توثيق العلاقات الثقافية والسياسية، مشيرًا إلى أن الأرشيف يحتوي على وثائق تتعلق بالعلماء والتجار الموريتانيين الذين زاروا مراكز الخلافة العثمانية أو تفاعلوا مع ممثليها في المنطقة.
تفاعل الحضور وأثر النقاش
وقد أدار الجلسة الأمين العام للمجلس، السيد البكاي عبد المالك، الذي أشاد في كلمته بدور مجلس اللسان العربي في فتح نوافذ جديدة للتفاعل مع القضايا الفكرية والتاريخية.
شهدت المحاضرة حضورًا مميزًا من الأساتذة، الأدباء، المثقفين، الصحفيين، وسدنة اللغة العربية. وطرح الحاضرون جملة من التساؤلات التي أثرت النقاش، خاصة حول كيفية استغلال الوثائق العثمانية في إعادة كتابة تاريخ موريتانيا، ودور اللغة العربية في ترسيخ الهوية الوطنية.
أهمية المحاضرة في السياق الثقافي والتاريخي
تأتي هذه المحاضرة في سياق الجهود المستمرة لمجلس اللسان العربي لتسليط الضوء على الأبعاد الثقافية والتاريخية لموريتانيا. فهي ليست مجرد محاولة لإحياء الروابط مع الماضي، بل تهدف أيضًا إلى تعزيز مكانة اللغة العربية كلغة أساسية لفهم التاريخ وتوثيقه.
كما أن البحث في الأرشيف العثماني يفتح الباب أمام الباحثين لإعادة قراءة التاريخ الموريتاني في ضوء المصادر الأولية، بعيدًا عن الروايات غير الموثقة أو المؤطرة بسياقات استعمارية.
توصيات وختام
اختُتمت المحاضرة بعدد من التوصيات، من بينها:
تعزيز التعاون بين المندوبية العامة للوثائق الوطنية والجهات المهتمة بالأرشيف في الدول الإسلامية.
ترجمة الوثائق العثمانية المرتبطة بموريتانيا إلى اللغة العربية لتكون في متناول الباحثين.
تشجيع الدراسات الأكاديمية حول تأثير الخلافة العثمانية على المنطقة، وخاصة في الجوانب الثقافية واللغوية.
تظل هذه المبادرة خطوة مهمة في سبيل تعزيز الوعي بالتاريخ الموريتاني ودوره في الحضارة الإسلامية، في انتظار المزيد من الجهود العلمية لفتح آفاق جديدة للبحث والتأريخ.