
في خضم الحديث عن ما تعرضت له السيدة دانيال سيريباسي، المديرة العامة لشركة Niofar للاستشارات، من ابتزاز من قبل مسؤولين موريتانيين، تعود إلى الأذهان حادثة مشابهة قد لا يعرفها كثيرون، لكنها تجسد نفس العقلية التي تهدد فرص التنمية والاستثمار في بلادنا، وتشوّه صورة موريتانيا أمام العالم.
الحادثة حسب مانشر المدون عبد الناصر بيب على صفحته تعود إلى العام الماضي، حين قرر صانع المحتوى الأردني الشهير جو حطاب، الذي يتابعه ملايين العرب، زيارة موريتانيا لإنتاج مادة إعلامية عن مناطق التنقيب عن الذهب. هدفه كان بسيطًا وواضحًا: التعريف بكنوز موريتانيا الطبيعية، وتسليط الضوء على تجربة التنقيب الأهلي، في مادة إعلامية مجانية لصالح البلد، كما يفعل في عشرات الدول حول العالم.
تواصل جو حطاب مع أحد الموريتانيين، الذي بدوره ربطه بشركة معادن موريتانيا. وقدّمت الشركة مسؤولها الإعلامي الشيخ باي السيد للتنسيق مع الضيف. لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما طلب الشيخ باي من جو 10 آلاف دولار أمريكي، أي ما يعادل أربعة ملايين أوقية، مقابل "تسهيل الإجراءات".
جو، الذي صُدم من الطلب، ردّ قائلاً:
"إذن سأُلغي الزيارة".
لكن الشيخ باي لم ييأس، فعاد ليطلب منه 1000 دولار فقط، وهو ما وافق عليه جو حطاب مضطرًا.
هذه القصة، التي يقول عبد الناصر بيب انه امتنع عن نشرها احترامًا لرغبة جو حطاب في أن تظل طي الكتمان، تكشف بوضوح كيف تضيع فرص ثمينة بسبب ممارسات غير مسؤولة. كان من الممكن أن تستفيد موريتانيا من تغطية إعلامية مجانية على واحدة من أوسع منصات المحتوى العربي، بما يجذب المستثمرين والسياح ويخلق فرص عمل جديدة. لكن للأسف، قوبلت المبادرة بالابتزاز عوضًا عن الاحتفاء.
في بلدان أخرى، تدفع الحكومات والمؤسسات مبالغ كبيرة لمثل هؤلاء المؤثرين، من أجل تسويق صورة بلادهم عالميًا. أما في موريتانيا، فيُطلب من الضيوف الدفع فقط ليستطيعوا إنجاز عمل بسيط، من المفترض أنه يدخل في صميم مهام الجهة الرسمية، والتي يُدفع لها من المال العام.
ما حدث مع جو حطاب ليس مجرد واقعة فردية، بل هو نموذج لما يحدث يوميًا، وهو ما يدعو إلى وقفة جادة لمراجعة أداء بعض المسؤولين ومحاسبة من يسيئون إلى سمعة الدولة ويضيّعون فرص التنمية.
وجاء فيما كتبه عبد الناصر انه يحتفظ بمراسلات جو حطاب التي توثق هذه الواقعة، تحسبًا لأي إجراء قانوني قد يفكر فيه الشيخ باي أو غيره.