هذه القصة كتبتها الأستاذة الكاتبة فرحة منت محمدن، قبل أسابيع حيث نشرتها على مدونتها الشخصية، وقد أخذنا رأيها في نشرها لما تحويه القصة من قيمة تتكشف في عمق إبداع الكاتبة ، كما أنها تنقل واقعا مرا تارة وحلوا تارة أخرى ، تتنقل الكاتبة بينهما لشد القارئ وجعله يتعلق أكثر بالقصة،وما تجمعه من تقلبات الظروف والهزات التي يمر بها الإنسان، وحتى لا نطيل نترككم مع القصة:
خداع من أجل الوفاء
كانت الشمس قد توشك على الغروب و أجواء "اسديريه" في حالة استنفار....صراخ أطفال....ضحكات بريئة وأحيانا بكاء موجعا.....صدى ثرثرة نسوة وحديث ساخن لرجال.....نهيق حمير ونباح كلاب ... وسط ذلك الجو المفعم بالنشاط جلس شاب غريب على مقربة من "اجماعة ظامت" وهو يلهث من العطش.....هرع الجميع إليه وأحضروا الماء الذي ما إن ابتلع منه جرعات حتى وقع على الأرض مغشيا عليه....وقف الجميع مندهشا مرتبكا من أمره، فقد كان الشاب مختلفا تماما بهيئته وملابسه، وكأنه قادم من عالم ٱخر...ساعته الفضية وفضفاضته الجميلة ببريقها اللامع، وأناقته التي تميزه عن القوم توحي بأنه ثري أو من أسرة ثرية، لكن.كل شيء استحوذ عليه الوحل.....فتح الشاب عينيه فإذا به في غرفه بسيطة هادئة، وفي مقابله يجلس رجل في الأربعين من عمره تظهر عليه علامات الهيبة والوقار ولسانه يردد:
-اسمع يا فتى أنا إبراهيم فال سيد قرية "اسديريه"...أطلب منك أن تخبرني من أين أتيت وما شأنك؟.
أجابه الشاب:
-أنا مولاي أضعت الطريق منذ أكثر من أسبوع وأنا تائه..هل لديكم هاتف ...هاتف؟
رد الرجل الوقور إبراهيم على الشاب ساخرا:
-لا يا مولاي نحن بداة ولا نستخدم وسيلة التواصل الحديثه... وتابع ابراهيم :
-لا أدري كيف وصلت إلى هذه المنطقة رغم بعد ها، والمخاطر التي تحف بها من وعورة الطريق وقلة منابع المياه... قرر ابراهيم فال الذي يحظى باحترام كبير بين الجميع ، والذي يعيش في منزله المتواضع مع زوجته "أم الخير" وابنته الوحيدة "عيشٌ" أن يحتضن مولاي التائه بين عائلته......مضت أيام أحس مولاي فيها بالإنتعاش والراحة، وشعر بلإنجذاب لأجواء"اسديريه" وساكنتها، وكان يشغل تفكيره جود إبراهيم وكرمه، وكيف يستطيع رد جميل احتضانه وإعالته .. وحتى يساعد كسب عيشه عمل مع ابراهيم في محل له لبيع الحبوب.......ومع مرور الأيام كان الشاب مولاي يزداد إعجابا واحتراما بإبراهيم واحتراما له.. لكن شيئا ما ثقيلا يكبت نفسه ويمنع الهدوء عن باله، فصورة ابنة صاحب النعمة عليه سيده في العمل تسللت إلى داخله، وشغلت تفكيره منذ أن لاحظها.. حاول بجهد مجاهدة تلك الغريزة التي تفجرت فجأة واحتوته من غير إذن منه.. وأن يجهض تلك البذرة قبل تنمو وتتفتق في داخله وتتجسد في حب يصرع قلبه.. قاوم كثيرا من أجل أن يظل ما يعيشه من ابنة ابراهيم سرا في أعماقه حتى لا يفقد الاعتبار الكبير والاحترام وتقدير الشيخ له، عندما يتحول في عينيه وعيون الجميع الى مجرم دخل ليسرق قلب ابنة صاحب النعمة عليه، لم يتحمل تلك الظنون،ولم يكن لديه من الجرأة على سيده ما يكفي لاختراق حاجز الكبر والوقار الذي يتمتع بهم ابراهيم، فلم يجد من طريق غير الصمت على الصراع الذي يتحرك بداخله.. واستسلم للأوهام والشكوك، والاضطراب الذي ايزداد أكثر كلما قفزت إلى رأسه فكرة استحالة زواجه من ابنة السيد ابراهيم "عيشٌ " المتيم بها، فيزداد الموضوع تعقيدا على المسكين.
بدأ المسكين يحس بالتعب حتى هاجمته الحمى فسدت نفسه عن الطعام، ولم تمض أيام حتى اشتد مرضه وساءت حالته....وعجز جميع أطباء القرية عن معرفة سر مرض مولاي الذي كاد أن يهلكه لولا حكيمة القرية العجوز خديجة ..
نتابع بقية القصة في حلقة قادمة