
بين أنقاض البيوت المدمرة وخيام النزوح التي تعصف بها رياح الخريف، تخوض نساء غزة معركة أخرى لا تقل قسوة عن الحرب، معركة ضد سرطان الثدي الذي فاقمته سنوات الحصار والدمار، وتضاعفت مآسيه بانهيار المنظومة الصحية وغياب العلاج.
وفي تقرير بثّته قناة الجزيرة، سُلِّط الضوء على معاناة المصابات بسرطان الثدي في قطاع غزة، في ظل انعدام الأجهزة الطبية والأدوية اللازمة لعلاجهن، وذلك بالتزامن مع شهر أكتوبر الوردي المخصص عالمياً للتوعية بمرض سرطان الثدي.
في إحدى خيام النزوح، تروي سيدة خمسينية حكاية وجعٍ طويل بدأ قبل أكثر من عقد، حين أُصيبت بالمرض بعد نجاتها من قصف الفسفور الأبيض عام 2008. خضعت لعمليتين جراحيتين لاستئصال الثدي والغدد، لكن الورم عاد بعد خمس سنوات، وتوقفت عن العلاج عقب تدمير المستشفى التركي الذي كانت تتلقى فيه الرعاية.
ويؤكد المدير الطبي لمركز غزة للسرطان، الدكتور محمد أبو ندى، أن الحرب الأخيرة كانت كارثية على المصابات بالسرطان، إذ أدت إلى تدهور حاد في الخدمات الصحية وتأخر في التشخيص، ما سمح للمرض بالانتشار في أجساد كثير من النساء.
ويصف أبو ندى الوضع بأنه مأساة إنسانية مركّبة، مشيراً إلى أن انقطاع المواصلات ونقص الوقود والظروف النفسية القاسية حالت دون وصول المريضات إلى المستشفيات، حيث تكافح كثير من الأمهات لتأمين المأوى والغذاء لأطفالهن بينما ينهش المرض أجسادهن في صمت.
وفي مركز غزة للسرطان، تتحدث سيدة أربعينية عن اكتشافها الورم أثناء الحرب بعد نجاتها من تحت الركام مع أطفالها. تقول إنها ظنت أعراضها في البداية أزمة تنفسية بسبب الغبار والدخان، قبل أن تُصدم بالتشخيص.
ويشير أطباء في المركز إلى أن سرطان الثدي هو الأكثر شيوعاً بين نساء القطاع، وأن غياب الأدوية الكيميائية والمضادات الحيوية فاقم من تدهور الحالات، خصوصاً بعد تدمير مركز غزة للسرطان بالكامل الذي كان يقدم العلاج الكيميائي والتلطيفي والإشعاعي.
وفي ظل انقطاع الأدوية، تُضطر المريضات إلى تناول جرعات بديلة لا توفر الشفاء الفعلي بل تبقي الأمل ضعيفاً، بينما تعاني كثيرات في المخيمات من سوء التغذية وارتفاع الأسعار. تقول إحدى المريضات وهي تطهو على نار الخشب: "الدكتور بيحكي بدك فواكه ولحوم بيضاء، بس أسعارهم زي الذهب".
وبين حرّ الصيف وبرد الشتاء، تتواصل معاناة نساء غزة اللواتي يواجهن الموت مرتين: مرة تحت القصف، وأخرى تحت وطأة المرض في غياب العلاج والأمل.

