خميس ..معتقلي العلم...؟

جمعة, 12/22/2017 - 21:14

 

الحوادث- ضجت قاعة المحكمة الجزائية في محكمة ولاية نواكشوط الغربية مساء اليوم الخميس21/ 12/2017 بالزغاريد والتصفيق والتهليل والتكبير، وعمة الفرحة والسرور الوجوه، محل الحزن والكآبة التي ارتسمت عليها منذ بدأت الجلسة.. كان ذلك إثر إعلان القاضي رئيس المحكمة بالحكم الذي قضى به على مجموع الشبان الذي تم حبسهم والذين أصبحوا يعرفون بسجناء علم الاستقلال، حيث أدانهم القاضي الخمسة بالسجن الموقوف ثلاثة أشهر.

على هامش المحاكمة..

في فجر اليوم الخميس ورغم البرد القارس المصحوب برياح الشتاء دجمبر تقاطر أفواج الناس من مختلف ولايات نواكشوط وشكلوا طابورا طويلا على الباب الشرقي لقصر العدل لمحكمة نواكشوط الغربية المخصص للمدنيين في انتظار الدخول لحضور جلسة تم برمجتها على جناح السرعة لمحاكمة خمسة شبان متهمين برفع علم الاستقلال في تظاهرة لمنتدى المعارضة تم الترخيص لها من قبل السلطات يوم السبت 16/12/2017 يتألفون من:(محمد ولد دحان، الداه ولد سيدي، الشيخ جابرا، عباس جاغانا، الحسن ولد محمد الأمين ولد مزيد).

وما إن دقت الساعة على التاسعة حتى انفرج الباب وغصت القاعة بالجمهور جاء لمتابعة قضايا مختلفة .. أغلبه جاء لحضور محاكمة المتهمين برفع العلم، الذين شغلت قضيتهم الشارع وخلقت الكثير من التظاهرات في الميادين والشوارع تدين حبسهم.. وقد توزعت الجلسة إلى فصلين تفصل بينهما استراحة.

الفصل الأول من الجلسة

محاكمة متهمين في قضايا مدنية

بعد التمهيد للجلسة الذي بدأ بإحضار السجناء إلى قفص الاتهام وأخذ المحامون أماكنهم على مكاتب في مقدمة القاعة وأشراف عناصر من أمن مفوضية الإنابات القضائية على ترتيب القاعة وتنظيم الحضور... دوى صوت مجلجل للتنبه على دخول القاضي، فوقف جميع من في القاعة.

الحكم على  الناه منت دداهي بالسجن خمس سنوات نافذة

بدأ سير المحكمة التي افتتحها القاضي بعرض المتهمين الذين كان ينادي عليهم من القفص لاستجوابهم.. وكان من ضمن الملفات التي عرض  قبل أن ينتهي إلى  الفصل الثاني من الجلسة الذي خصصه لمحاكمة المشمولين في ملف رفع العلم والذي ختم القاضي به  الجلسة.. ملف مدني المتهم فيه سيدة من سيدات المجتمع  تبين من خلال عرض وقائع القضية أن المتهمة الموجه لها الاحتيال والنصب على الحجاج والمعتمرين.. وأن المدانة الناه منت دداهى نفذت من خلا مكتب تديره للسفريات والحج والعمرة عمليات نصب واحتيال على الكثير من المغفلين بمساعدة شركاء سماسرة في مكتبها ..وحصلت من راء ذلك على مبالغ كبيرة منهم على  أن المكتب سيفر لهم أداء مناسكهم، وفي كل موسم من مواسم الحج أو العمرة  كان يقع في شباك تحايلها ونصب سماسرتها ضحايا جدد لا  يكتشفون أنهم وقعوا في شراك شبكة للنصب والتحايل إلا متأخرين.. ويدخل الضحايا في دوامة البحث المتهمة ورفع الدعاوي ضدها.. وبعد وقت طويل وجهد كبير تتمكن الشرطة من القبض عليها ويتم اقتيادها للمفوضة حيث تخضع للتحقيق وتحال على العدالة، وتفلت من السجن بخدعة تتملص بها  من الضحايا الذين تدخلهم في دوامة من المماطلة لا نهاية لها.

المتهمة الناه منت دداهي التي مثلت أمام المحكمة اليوم كانت قد تم ضبطها وتقديمها للمحاكمة في محكمة ولاية نواكشوط الشمالية في وقت سابق حيث تمت إدانتها بالسجن، وبناء على دعاوي أخري قدمت أمام المحكمة في الولاية الغربية ضدها تم استدعاءها من  سجن النساء الذي تقضي فيه عقوبة حبس منذ ما يقارب ستة أشهر.

وقد حكم القاضي على المدانة  الناه منت داداهي بالسجن خمس سنوات نافذة، والحكم على شركاءها الذين هم في حالة فرار بأحكام مختلفة بعضها نافذ وبعضها موقوف.

الفصل الثاني من الجلسة

سجناء العلم الوطني.. وتعارض التهم

بعد الإستراحة التي قضاها جمهور الفصل الثاني من الجلسة على أعصابه من التوتر .. فقد انشغل الذي شكل حلقات و جماعات وفرادى أمام قاعة المحكمة في  نقاشات لاستغراق الوقت كلها تنصب حول الفرضيات والتوقعات التي ستتجلى عنها المحاكمة، وما سيكون موقف القاضي من الوقائع وطلبات النيابة.. بينما كان بعض آخر ينتظر بحرقة خائفا من المجهول الذي ينتظر أبناءه المتهمون في القضية، وتقوده الهواجس لاحتمال الأسوء في حالة تشدد القاضي وانساق مع طلبات النيابة، فيقع المتهمين الأبرياء ضحية تجاذبات سياسية نصيبهم منها ضياع المستقبل.

وبين هذه الهواجس المخيفة تارة ،والمبشرة أخرى  بنتيجة إجابية إذا تساهل القاضي نظر للقضية بعين فاحصة تستجلي الحقيقة وصرامة لا تؤثر فيها العوامل الخارجية في سبيل تحيق الحق .. قطع نداء الشرطة على الجمهور بالدخول إلى القاعة.

عرض المتهمين... والمرافعات الساخنة..

دخل القاضي على نمط ما كان في الفصل الأول.. وتوقفت الأنفاس وشرأبت الآذان نحو القاضي الذي افتتح الجلسة بالإعلان عن  آخر ملف في الجلسة رقم 792/2017 والذي يشمل المتهمين بممارسة العنف ضد القوى العمومية.

 واستدعى القاضي المتهمين من القفص للمثول والاستجواب واحدا تلو الآخر.. رافق استدعاء القاضي للمتهمين صمت شمل جميع أجنحة القاعة، يرافقه توتر وخوف يوشك أن تنطق به الألسن وتبوح به عيون ذوي المتهمين.

كان أول من مثل من المتهمين أمام القاضي محمد ولد دحان، وأجاب على أسئلة القاضي التي كانت حول هويته الكاملة، ونشاطه الذي يمارس، والتهمة الموجهة إليه.. وعلاقته بالعناصر الذين تم ضبطهم معه؟..

كانت أجوبة المتهم مركزة حول الهوية، ونشاطه.. ونفي بأعصاب باردة المتهم كل ما نسب إليه .. مع استغرابه ضبط الشرطة له واستماعها له حول تهمة رفع  علم الاستقلال، ثم محاولة النيابة تكييف التهمة إلى ممارسة العنف ضد قوى أمنية..ولم ينفي المتهم أنه رفع العلم، وذلك  لعدم وافقتهم على التغييرات التي طرأت عليه، وتشكيكهم في الحوار الذي نتج تلك التوصيات... وكون النيابة طلبت من الشرطة تعميق البحث  حول تهمة أخرى تم على أساسها التكيف وهي ممارسة العنف ضد الشرطة.ز هو مالم يكن، لعدم وجود أي صدام أو ما يقود إليه، رغم أن العناصر الذين تدخلوا في المظاهرة وضبطوهم يرتدون ملابس مدنية، وكان ذلك يمكن أن يقود لصدام ..

ثم استدعى المتهم الثاني الداه ولد سيدي، ووجه له القاضي نفس الأسئلة ونفس التهمة.. وبدوره نفى كل ما نسب إليه ، مع إضافة أن الشرطة  أضافت محضرا أخر وجهت إليهم فيه أسئلة حول حقيقة دعوى استعمالهم العنف، أو فرضية مشاهدتهم لشخص قام بإثارة العنف في التظاهرة..وكان جواب المتهم أن شيء مما سألوا عنه لم يقع..

وتابع القاضي استجواب المتهمين وكان الجميع متفق في الجواب حول أسئلة القاضي بما يتعلق بالتهمة والوقائع.. وفي نهاية الاستجواب طلب القاضي من ممثل النيابة عرض طلباته.

 ووجه ممثل النيابة للمتهمين تهمة ممارسة العنف ضد قوى أمنية تمارس عملها في تأمين تظاهرة..ازداد الاضطراب في القاعة بين ذوي المتهمين.. كتم الخوف من المجهول على الأنفاس أكثر، وتبللت خدود بعض الأمهات والأخوات من عبرات حارة لم تستطع المقل احتمال لهبها..

الدفاع..

كان الدفاع الذي يمثله مجموعة من المحامين المميزين، والذي تعرفهم القاعة بصولاتهم وجولاتهم في قضايا مختلفة حقوقية وسياسية ومدنية..بعضهم حديث عهد بالمحامات وبعضهم قديم في المجال.. ومن قدماء المحامين الذين تولوا الدفاع عن المتهمين الأستاذ المحامي، والنائب، ورئيس الحزب السياسي محمد محمود ولد اماه الذي ساعد وجوده في طمأنة ذوي المتهمين، كما هيأ نفسيتهم لتقبل.. كما كان من بين الأساتذة الذين أظهروا براعة فأئقة في دفاعهم الذي اعتمدوا فيه اللعب على وتر العواطف، مما أثار التصفيق في القاعة .

لعب المحامون على الثغرات التي  تأثرت منها مسطرة الشرطة والتي كان من ضمنها تضارب التهم للمتهمين، من تهمة رفع علم الاستقلال، إلى تهمة ممارسة العنف ضد القوى العمومية.. كما أن بعض المحامين تنبه إلى الخرق الواضح والذي يظهر من خلال ديباجة المسطرتين...وشهدت المرافعات التي فسح لها القاضي الوقت لكثير من العنتريات بين المحامين تصب كلها في تبيين الأخطاء وتفنيد التهمة.

وختم الدفاع بمرافعة للدكتور محمد محمود ولد لمات الذي تجاذبته مرافعته السياسية وارتباطه الوجداني بالموضوع.. وعمله كمحامي خبر القانون، ودبج جمع مابين الاثنين كوكتل  بين فيه الاختلالات التي كان من تجلياتها ضبط شبان في تظاهرة مرخصة  ضارك فيها الآلاف.. وأخطاء النيابة الوارية..

وما إن انتهى ولد لمات من مرافعته حتي انفجرت القاعة بالتصفيق والتهليل... وبرزت بوادر الأمل في عيون سكنها الخوف من المجهول..

ملاحظات الجمهور

من الملاحظات التي خرج بها الجمهور عدم انحياز مفوض الشرطة الحسن ولد صنمب لاملاءات النظام من خلال النيابة التي كانت تريد منه إعادة تركيب المسطرة من جديد وملء الفراغات القانونية .. صرامة القاضي ووعيه لما يدور من حوله، وتعامله مع القضايا بتجرد من العاطفة، أو ضغوط خارجية.