عندما تصل موجة الفكر الحداثي إلى موريتانيا‼ / المرابط ولد محمد لخديم

أربعاء, 02/19/2020 - 10:03

بدأت القصة عندما فتح مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم الحداثيين صفحة فيسبوك تحت عنوان “‏من أجل موريتانيا علمانية حداثية ومتسامحة‏”، وحددوا لصفحتهم مجالا للتعاطي الفكري حول هذه القضية من خلال “العمل من أجل مجتمع موريتاني علماني، علمي، حداثي ومتسامح، مقابل مجتمع متخلف رجعي محافظ ...

وقد انتشرت تسجيلاتهم الصوتية عبر وات ساب على نطاق واسع في مجتمع موريتاني محافظ في جمهورية إسلامية بنسبة 100%، دستورها ينص أن الإسلام دين الشعب والدولة...

    قد لايفهم الكثير من الناس غرض هذه المجموعة من بث هذه المفاهيم التي تبدو ساذجة شكلا وغير مترابطة في المفاهيم والأفكار..وقد كتب سابقا حول هؤلاء وأمثالهم سلسلة مقالات بعنوان: الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع من 40 حلقة..

لكن في ظل القرية الكونية العالمية أصبحت الأمور مترابطة فما يحدث في مصر مثلا تتأثر به موريتانيا..وهو ماكشف لي بعض الحقائق كانت غائبة عني فهذه الموجة  التي ظهرت في موريتانيا يمكن أن نجد لها تفسييرا في ما حدث منذ أسابيع في مؤتمر الأزهر العالمي لسنة 2020 م المنعقد في جمهورية مصر العربية  والذي يناقش موضوع :التجديد في الفكر الإسلامي..

 والآن لنضع هذا الكلام جانبا ولنعرض لبعض الحقائق التاريخية..

  إن تركيز أنصار الحداثة وقبلهم أسيادهم على الجامع الأزهر ليس وليد الساعة بل يرجع إلى تاريخ الاحتلال لبريطاني لمصر فقد احتلت بريطانيا يومئذ مصر وهي تعلم أن اعتمادها على القوة العسكرية وحدها لن يفيدها الاستقرار,ولن يمكن لها موطئ قدمها في البلدة التي احتلتها, خصوصا وأن العالم الإسلامي قريب العهد بانهيار الخلافة الإسلامية. 
فرأت-كما هو شأنها دائما – أن لابد من الاستعانة بمنهج فكري يغير من تفكير المسلمين تغييرا يقصيهم عن هذه الشدة في التمسك بالدين والتضحية من أجله والاعتماد عليه وحده. 
ويجعلهم يلتقون مع الفكر الأوربي في أوسع قدر ممكن من سبل الحياة.. 
ولما كان الجامع الأزهر يقف كالصخرة التي لا تتزحزح بمناهجه الدراسية وطريقته الفكرية وإشعاعه الذي كان يتجاوز القطر المصري إلى كثيرا من البقاع الإسلامية الأخرى. كان هو المقصود بهذا الإصلاح لدوره الريادي في الحكم, وتحريك القضايا الوطنية والدينية والفكرية والاجتماعية, وكل ما فيه صلاح الأمة الإسلامية.. يتضح جليا في كلام اللورد لوبد المندوب السامي لمصر إذ ذاك, في مذكراته التي أسماها 
مصر منذ أيام كرومر؛ Since Cromer Egypt

حيث يقول ” إن التعليم الوطني عندما قدم الانكليز, كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين والتي كانت أساليبها الجافة تقف حاجزا في طريق أي إصلاح تعليمي, وكان الطلبة الذين يتخرجون من هذه الجامعة يحملون معهم قدرا عظيما من غرور التعصب الديني, فلو أمكن تطوير الأزهر لكانت خطوة جلية الخطر. فليس من اليسير أن نتصور أي تقدم طالما ظل الأزهر متمسكا بأساليبه هذه ولكن إذا بدا أن مثل هذه الخطوة غير متيسر تحقيقها فحينئذ يصبح الأمل محصورا في إيجاد التعليم للاديني الذي ينافس الأزهر حتى يتاح له الانتشار والنجاح״ 
   ومن مصر إلى موريتانيا (بلاد شنقيط) فيما يسمى عندنا با(المحظرة) وهي جامعات متنقلة تتطابق مناهجها ومناهج الأزهر الشريف وتعتمد أساسا على قوة الذاكرة والحفظ في الصدور بالإضافة إلى السطور وقد وقفت في وجه المستعمر الفرنسي فكانت عصية على المستعمر كحاجز منيع وحارسا أمينا يصعب اختراقه عند ما عجز سلاحنا غير المتكافئ. بذلك شهد شاهد من أهلها: 
CRISTIAN LAGREيقول المسمي(كريستان لجرى )

في رسالة سرية إلى الوزير المعني في فرنسا ما خلاصته:« إن الأفارقة قلدونا في الملبس وفي كل شيء ماعدا موريتانيا التي تمثل الثقافة فيها أعلى مراقي المجد فما زالت لها مكتباتها(700 مجلد من شنقيط وحدها) ولهم قضاؤهم المستقل» ثم يقترح حلا لذالك الصمود, وهو زعزعة مكانة العالم, والمحظرة, وتشجيع أطفال المدرسة الحديثة بإعطاء المنح وفتح الكفالات وتوفير الملابس مجانا إلى أخر الاقتراحات.. 
وبغياب هذا المنهج من حياتنا الذي كان حارسا أمينا وحاجزا منيعا فشل المستعمر في اختراقه فترة من الزمن على قوته وعنفوانه وضعفنا آنذاك...فإننا نجد من بني جلدتنا من يروج لنفس الأفكار والقيم في ما بات يعرف بمنظري الاستعمار الذاتي أو ما أسماه البوطي التفكير الإصلاحي, حيث أصبحوا يبثون مخططاتهم نهارا جهارا بدعوى العلمية والحداثة والتحرر..

وهذا يعنى أننا نعاني من أزمة حقيقية في الذات فمواطن الأزمة موجودة في الضمير وفي علاقته مع الواقع، وهذا يعني أن الأزمة تتصل بتفسير المشاكل أكثر من اتصالها بطبيعتها، فهي ليست أزمة في الوسائل وإنما في الأفكار..

   لقد نتج عن اندفاع العالم العربي والإسلامي وراء كل جديد براق دون أن يكلف نفسه عناء التمييز بين الماء والسراب للحاق بعجلة الركب باعتدال أو بغير اعتدال أن أصبح كالمريض الذي يشتد عليه وقع المرض وتلوح له النهاية فيتمسك بأهداف الحياة ويقبل بتجربة كل دواء ولو كان مما لا يستسغيه العقل, وهاهو يحصد عاقبة هذا لاندفاع حيث تكونت لدى أكثرية أبناء المسلمين عقلية مشابهة للعقلية الغربية, في مفاهيمها وأفكارها ونظرتها إلى الحياة , لأن الباب الوحيد للعلم والتثقيف هو ذالك الذي يفضى إلى هذه الثقافة, التي تلقن في المدارس من طرف الحكومات في البلاد الإسلامية, على نمط المدارس المنشأة في البلاد الأوربية : من ابتدائية وثانوية وعالية. وهذه الثقافة بشكلها الحاضر وجميع ملابساتها أخذت واقتبست من الثقافة الأجنبية, وهى نفسها في الدواوين الحكومية وفى المهن الحرة وفى مجالات الحكومية المختلفة..  
وأخرى ارتبطت بالمناهج التعليمية والمقررات الدراسية ومختصراتها وقتلت لديها روح البحث وحرمتهم من المطالعة خارج المنهاج وكرهت إليهم القراءة والكتابة، حيث حصرت الهدف منهما بالامتحان والشهادة تنتهي الحاجة إليهما ونبدأ القطيعة معهما بالنجاح في الامتحان وتحصيل الشهادة..

  أما الفئة الباقية فقد اقتنصتها وسائل الأعلام والمعلومات السريعة، بما تملكه من جاذبية وسائطها المتعددة في الصوت والصورة والحركة، فآثروها على تحصيل العلوم والمعارف، وسلموا أخيلتهم وأوقاتهم لها، وفضلوا التحول إلى متلق يستمع ويشاهد مسترخيا على أريكته، يتجرع ويحتسى كؤوس الشاي والقهوة مع ما يقدم له من دون كبير تدخل أو اختيار...

  آثروا ذلك على معاناة القراءة الجادة وما تتطلبه من تركيز ووعي، فتسطحت الثقافة ونتج عن ذلك داء الأمية الثقافية التي أضرت بحركة النقد، وحدت من تداول الأفكار وأدت إلى ركودها، فضمر الإبداع وتحجرت العقول، وغاصت الثقافة في المياه الآسنة..

إن عقدة الغرب هذه التي أصبحت تحدد أفقنا المعرفي والفكري. بتساؤلات مازالت تغض مضاجعنا:  
كيف نلحق بالآخر؟ الذي أنتج العقلانية والحداثة وهاهو اليوم ينتج العولمة؟ أين يكمن القصور في الذات أم في الآخر؟ في التاريخ أم في الفكر؟  
  المهم أنه كلما حاولنا النهوض بالواقع وكلما حاولنا الانخراط في التاريخ انتصب هذا الآخر في وعيه كطرف ضروري لامناص منه لتحديد العلاقات التي تربطنا به, تعاون, مشاركة, هيمنة, فسواء تعلق الأمر بمسائل التنمية الاقتصادية أو أنظمة الحكم والتسيير أو باختيار المشاريع المجتمعية, بل وحتى قواعد الفكر والسلوك نجدها تطرح أمامنا إشكالية الآخر وكيفيات تدبير العلاقات الآنية والمستقبلية معه سواء على مستوى الواقع أو الخيال, لدرجة أصبح معها الغرب يحدد أفقنا التاريخي.حتى أصبحنا مجرد ناشرين, أو مفسرين, أو حتى معلقين,على ما يقدم لنا من فكر الغرب وعلومه .

و لعل هذا ما يفسر واقع أمتنا المر, امتنا الضعيفة المتفرقة المتشتتة, أمتنا المسلولة, التي تعاورتها الأدواء, وتعاونت عليها العلل, وانصبت عليها سيول قاذورات الحضارة الغربية, وطغى عليها طوفان الشهوات والملاهي, وهجم على عقول أبنائها خليط عجيب من العقائد والأفكار والآراء, وتعاونت كل هذه الأمراض على الأمة, فأذهبت رجولتها, وأفقدتها كرامتها, وأذلتها في العالمين, وكادت أن تزهق روحها

وسيول قاذورات الغرب هذه تظهر في الخطة اللئيمة المحكمة, التي شعر مهندسوها أن دعوة المسلم إلى الكفر تلقى نفورا في المجتمع الإسلامي, ويكاد يكون من المحال إحراز تقدم فيه بإعتناق هذه الدعوة, ولذا ينبغي أن تكون الخطة_ أولا_ تجريد شخص المسلم من الالتزام بالتكاليف, وتحطيم قيم الدين الأساسية في نفسه بدعوى العلمية والتقدم والحرية..  
دون المساس بقضية الإلهية مؤقتا, لأنها ذات حساسية خاصة, وبمرور الزمن, ومع إلف المسلم لهذا التجريد يسهل في نهاية الأمر تحطيم فكرة الإلهية في عقله ووجدانه _ وإذا بقيت افتراضا, فلا ضرر منها, ولا خطر, لأنها حينئذ لن تكون سوى بقايا دين, كان موجود ذات يوم بعيد. 
وهكذا يحكم أعداء الإسلام مخططاتهم, ويديرون لتدمير الدين ومبادئه, ابتداء من ابسط السنن والواجبات وانتهاء إلى قضية القضايا: وجود لله ذاته.  
وفي هذه الفترات السوداء، البارقة في سوادها تنتفض هذه الأمة إذا امتست مقدساتها.عندما طالب رئيس جامعة القاهرة الدكتور الخشت أستاذ الفلسفة السابق بضرورة تجديد التراث الديني بما يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث.. فيرد عليه شيخ الأزهر الدكتورأحمد الطيب قائلا: إن هذا التراث الذي تطالب بتجديده قد  "خلق أمّة كاملة" وسمح للمسلمين "بالوصول إلى الأندلس والصين"، منبها إلى أن "الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية".وقد احتدم النقاش بين الرجلين وانتقد شيخ الازهر الدكتور محمد الخشت قائلا: "نشتري الأسلحة ليقتل بعضنا بعضا، بفلوسنا، ولا نستطيع صنع كاوتش (عجل) سيارة"، راجيا منتقدي التراث البحث عن مشكلة أخرى. وأن ما يقال عن نقد التراث هو مزايدة على التراث)... مضيفا " أشعر بالخزي" عندما أشاهد ترامب ونتنياهو "يخططون لحل مشاكلنا"

وبهذا يسد شيخ الأزهر الباب أمام فكر الحداثة الذي يقوم على هدم الثوابت والثورة على التراث".

وكأن الشيخ يريد معرفة مبنية على قيم وحداثة مبنية على تراث..

   إن نظام تعليمنا الديني, وأسلوب الدعوة قد قصر تقصيرا كبيرا في الدعوة إلى الإيمان بالغيب بإيمان وحماسة, وتساهل في دعمه وتغذيته والإلحاح إليه, وقد اتجه بعض كتابنا المعاصرين- مع ما لهم من فضل في عرض محاسن الإسلام, وتقريبه إلى الأذهان- إلى صياغة عقلية جديدة للدين, يتفق فيها مع العلم الحديث والعقلية الجديدة, فجني ذالك, إلي حد ومن غير إرادة, على روح الإيمان بالغيب, واعتاد الشباب الإسلامي المثقف أن لا ينشط إلا للمألوف المقرر, والواقع المتكرر في الحياة الطبيعية, أما ما شذ عنه وخرج عليه واحتاج في تصديقه إلي إيمان أعمق وأوسع, واعتماده على صدق المخبر, فانه لا يقبله إلا على مضد وجهد, ولا ينشط له ولا يرحب به, ويرى في ذالك منافاة لما سمع وآمن به من أن الإسلام هو دين العقل ودين العلم, ولا شك أن الإسلام كذالك, ولاشك أن صحيح المنقول لا يعارض صحيح المنقول كما يقول ابن تيمية...

   وقد تطور هذا الفكر ليأخذ شكلا خطيرا حيث أصبح بين ظهرانينا من بني جلدتنا من ينظر إلى تراثنا نظرة ازدراء,  كما تقدم آنفا مع رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت..

   وقد أفرغ جهده في نقد التراث, وتسفيه السلف.. ولم نجد أن ذالك صنع منهم عباقرة ولا مخترعين, كما أشار إلى ذالك شيخ الأزهر آنفا...  

 وإنما وجدنا من أكثرهم أنانية منفردة, وأخلاقية عمل ضعيفة, ونزوعا إلى الاحتيال, والوصول إلى المنافع الخاصة من أي باب, ومن أقصر طريق..

  متخذين من حرية التعبير عنوانا براقا يتسترون ورائه, وحرية الرأي هذه تنكمش وتذوب عند مناقشة قضايا جليلة لها خطرها في اليوم والغد, وتتسع وتتماع عندما تكون غطاء لنيل من الإسلام والمساس بقدسيته.

وهذا ما يظهر خطورة الغزو الداخلي بالمقارنة مع الغزو الخارجي حيث أن هذا الأخير نوع تقليدي يتم من أطراف فاعلين من خارج المجتمع المغزو ، وهو غير خطير ـ نسبيا لأنه مكشوف وظاهر(لغير العميان). 
  أما الغزو الداخلي فإنه غزو ذاتي وهو مضمون النتائج وسليم العواقب.والغزو الخارجي تستطيع محاربته لأنه مكشوف وتحاكمه لأنه معروف، أما الغزو الذاتي فكيف تحاربه وأين تحاكمه، ومن يحاكم من؟ فالمفعول هو الفاعل والخصم قد يكون هو الحكم في نظر القانون!!

وتعرف العقلية الجديدة بما يسمى بالمخطط (الإصلاحي) ، الذي يشترط لقيام أي نهضة علمية، تطور الطريقة التي يتم بها فهم الدين والعقيدة الإسلامية بشكل يتفق مع الفكر العلمي المقبول، وهو حسب رأي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي يعني ضرورة تخليص الفكر الديني من كل حقيقة غيبية غير مفهومة أو داخلة في قوالب العلم الحديث ولقد اعتمد أصحاب هذا المنهج على نقطة الضعف التي كانت الأمة العربية والإسلامية تستشعرها إذ ذاك حيال النهضة العلمية في أوروبا، والاكتشافات والاختراعات المختلفة التي قامت في أنحائها بفضل الانطلاقة العلمية التي لم تكن من قبل.

  ولا بأس أن نعرض لبعض أقوال هؤلاء فمثلا: يقول فراح أنطوان منشئ مجلة (الجامعة المصرية، ومناظر الشيخ محمد عبده شيخ الأزهر (إن العلم يجب أن يوضع في دائرة العقل لان قواعده مبينة على المشاهدة والتجربة والامتحان، وأما الدين فيجب أن يوضع في دائرة القلب، لأن قواعده مبينة على التسليم بما ورد في الكتب المقدسة من غير فحص في أصولها ويضيف :

(أن وصول البشر إلى محجة الكمال لا يكون إلا بوضع الدين جانبا) ويقول فريد وجدي في عدة مقالات بعنوان (السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة) ما نصه:  
(وقد لاحظ قراؤنا أننا نحرص فيما نكتب في هذه السيرة على أن لا نسرف في كل ناحية إلا ناحية الإعجاز، ما دام يمكن تعليلها بالأسباب العادية حتى ولو بشيء من التكلف) 
ويقول حسين هيكل في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم إنني لا آخذ بما سجلته كتب السيرة والحديث إلا على الطريقة العلمية.). 
  ولأخطر من هذا كله الموقف التالي لجماعة من علماء المسلمين أعلنت قبولها لنظرية النشوء والارتقاء لأن علماء الغرب أعلنوا اقتناعهم الكامل بصدقها، بعد دراستهم ومشاهدتهم... وكيف أنهم، اضطروا بعد هذا الموقف إلى تفسير جديد للإسلام في ضوء النظرية الجديدة،وحين احتاجوا إلى لباس جديد، قاموا بتفصيل ثوب الإسلام مرة أخرى، ولكنه ثوب مشوه المعالم، لا اثر فيه من روح الإسلام، التي ضاعت مع الأجزاء المقطعة في عملية التلفيق الجديدة.

أن العرب عرقا لم يكن وجودهم التاريخي المعتبر إلا بالإسلام الذي نقلهم من لأمية إلى الكتابة, ومن الجهل إلى العلم, ومن الفوضوية إلى النظام, ومن العشائرية المتناحرة إلى الواجدة المجاهدة ذات الدولة الشرعية, فكسو أرضا, ونشروا عدلا وإحسانا, ودونوا علما في فهم دين ربهم وفهم لغتهم وتراثهم, لأنهم الأجدر بذالك, بسبب أن علمهم هذا ملكة وسليقة وقريحة ونتاج ذاكرة قوية لأمة علمها في صدرها بدءا..وكانوا مرجعا للأمة الإسلامية الأعجمية, وذوى حق عليها ماظلوا قائمين بدين الله, وماظلو أميز في التقوى.. 
 
  وفي هذا الصدد يكتب الموقع الإسلامي المتميز(إسلام ويب) مايلي:

(  نحن أمة تنتصر بطاعتها لله واتباعها لرسولها، وتنكسر بعصيانها لله وبعدها عن شرعه وهداه، ولعل في هذا اختصارٌ لأسباب السقوط، وما أحوجنا إلى قراءة تاريخ أمتنا بتأنٍ وروية لاستخلاص العبر، وأرجو أن نعرف أن أعداءنا اليهود درسوا تاريخنا وحضارتنا ووقفوا على أسباب نهضتنا فحالوا بيننا وبينها، ولا يستطيع رجلٌ منهم أن يصل إلى مواضع القرار إلا إذا تعمق في دراسة الحضارة الإسلامية، وقد أيقنوا أنهم لن يتمكنوا من هزيمة المسلمين إلا إذا أسقطوا الخلافة الإسلامية التي كانت رمزاً لوحدتنا، وأبعدوا الشريعة الإسلامية التي أخرجت للدنيا خالداً والقعقاع والمثنى.  
وعندما صدق سلفنا مع الله مشوا على سطح الماء، وكانت الدنيا في خدمتهم ومطر السماء، وقد صدق سلمان عندما قال لسعد بن أبي وقاص: (إن هؤلاء صادقون مع الله ولذلك أيدهم وسخر لهم البحر كما سخر لهم البر، وأخشى أن يأتي يوم يتخلى فيه المسلمون عن طاعة الله فيتأخر عنهم نصر الله)، وقد بكى أبو الدرداء عند فتح قبرص، فقيل له: (تبكي في يوم نصر الله فيه دينه وأعز فيه جنده. فقال رضي الله عنه: أبكي على حال هؤلاء الذين عصوا الله فسلطنا عليهم، وأخشى أن يأتي يوم يقصر فيه المسلمون في طاعة الله فيسلط عليهم عدوهم)

ولا شك أن الحالة التي خاف منها سلمان واليوم الذي أشفق منه أبو الدرداء هو ما وصلنا إليه ولا أدل على ذالك من قول إمامنا الأكبر ومرجعنا  شيخ الأزهر الدكتور الطيبي: " أشعر بالخزي" عندما أشاهد ترامب ونتنياهو "يخططون لحل مشاكلنا".