أنقذ الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز بلادنا من ثلاثة ورطات رئيسية كادت كل واحدة منها أن تعصف بالدولة والمجتمع في وقت معين.
أما الورطة الأولى فتعلقت بالإرهاب، ولعل الجميع يتذكر في هذا المضمار، من بين حوادث بالغة الخطورة أخرى، حصد أرواح جنودنا الزكية (شبه العزل، تغمدهم الله برحمته الواسعة) في أكثر من موقع، على أيدي عصابات الإرهاب وتجار المخدرات المدججة بالسلاح، وتبادل إطلاق النار الكثيف بين قواتنا المسلحة وقوات أمننا وهذه العصابات الإجرامية في قلب العاصمة نواكشوط وعلى مشارفها (2008، 2011) و استباحة أرواح وأمن ضيوف بلادنا المسالمين. فبشهادة كل المعاهد المتخصصة والباحثين في المجال، نجح الرئيس السابق في دحر الإرهاب إلى حد قال لي يوما مسؤول كبير في دولة عظمى إن “موريتانيا -رغم وسائلها المحدودة- أصبحت دولة مصدرة (“صافية”) للأمن في شبه المنطقة”…
أما الورطة الثانية فتعلقت ب-“الربيع العربي”، حيث انخرطت (2011) تيارات سياسية وفئوية وشخصيات وطنية وازنة في سلسلة مظاهرات شعبوية ضخمة كادت تعصف باستقرار البلاد، بإيعاز -غير مباشر- من جهات خارجية معروفة الأهداف والنوايا، إلا أن الرئيس السابق، بفضل إيمانه الراسخ بحريات التعبير والتظاهر والتنظيم وقدرته الفائقة على تحمل الأذى اللفظي والكتابي والسمعي-البصري، استطاع بأعجوبة أن يتفادى فخ التضييق والكبت والقمع، هذا الفخ الذي أودى بأكثر من بلد في شبه المنطقة.
أما الورطة الثالثة فتعلقت ب”-المأمورية الثالثة”، فعلى الرغم من توقيع أكثر من مئة نائب مطالبين بهذه المأمورية و”بكاء” العديد من كبار مسؤولي الدولة آنذاك دغدغة للعواطف من أجلها، وعلى الرغم من حصيلة تسييرية مشرفة على الأرض والتعبئة الصاخبة داخل صفوف “الحربائيين” لصالح هذه المأمورية وعلى الرغم من “بعض التفهم” خارجيا لهذه “الإمكانية”، وقف الرجل -شبه وحيد- في وجه هذا “الإجماع” المبتذل وقرر بمحض إرادته وانسجاما مع ما يراه مصلحة البلاد العليا، التنازل عن السلطة طواعية وتسليمها لرئيس منتخب في سابقة وطنية مشهودة.
لقد رأينا في التدوينتين الفارطتين، كيف تعاملت المملكة المتحدة، مهد الديمقراطية البرلمانية مع شخصية فذة مثل “وينستون تشرشل”، وكيف تعاملت فرنسا، معقل النظام الديمقراطي الرئاسي مع شخصية قوية كالجنرال “شارل ديگول”، إذ تُرك لكل شعب معني حرية الحكم سياديا، طبقا للمنطق الديمقراطي، على أداء كل منهما.
فعلى الرغم من التباين الكبير بين هاتين الدولتين العظيمتين وبلادنا من المنظور “المادي”، إلا أن الطموح الديمقراطي لموريتانيا يجب ألا يقل عن أفضل ما أنتجته التجربة البشرية بهذا الخصوص… لذا كان حريا بالنظام الحالي عدم التضييق السياسي وعدم استهداف الرئيس السابق وعدم تسخير الموارد العمومية لهذا الهدف، بل كان عليه تمكين الرجل من مزاولة نشاطاته السياسية طبقا للقوانين والمساطر الوطنية ذات الصلة، والثقة في قدرة الشعب الموريتاني على اختيار قيادته السياسية وإبعاد من لا يصلح لهذه القيادة، بطريقة ديمقراطية وسلمية و بمعايير لا تقل شفافية أومصداقية عما حصل ويحصل في أكثر الديمقراطيات تطورا.
أما تحدي “الفساد” فأخطر على مصيرنا المشترك من أن يُتعامل معه بطريقة انتقائية أو انتقامية أو غير حرفية، بل يجب أن تكون معركة جامعة على الأصعدة الفنية والقضائية والثقافية والأخلاقية.
ملاحظة: فيما يتعلق بالنص أعلاه ومقارناته التي قد تبدو جريئة لأوساط “الحربائيين”، أطلب منهم “التفكير بأدمغتهم لا بألسنتهم…”.